.......... في ذلك اليوم ، كانت الحرب في بلادنا مشتعلة ، خوف ..رعب..قلق..بكاء .. الم... كل هذا الشعور كان موجود في أيام الحرب،هذا ما قالته جدتي ، بدأ الحوار في هذه أللحظه . كانت تتكلم بصوت باك، وكانت تخنقها الدموع ، وهي لا تعرف ما سبب كل هذه الدموع ،هل هي دموع بسبب فقدان وموت ابنها ؟ أم هي دموع الفرح لان ابنها نال الشهادة؟
يا له من سؤال صعب ، سؤال لا يمكن الاجابه عنه ...
سألتها "جدتي " هل لك ان تتحدثي وتقولي لي كيف كانت الحرب ؟ وماذا حدث؟ وكيف قتل ابنك ؟ وكيف كان شعورك في تلك أللحظه؟ وماذا ....
أجابتني بصوت منخفض لا يكاد يسمع وقالت لا حول ولا قوة إلا بالله ..
كررت السؤال لها مرة أخرى ، وعندها نظرت جدتي إلى السماء ونزلت دمعه حارة من عينيها ثم أغمضتهما قليلا ، وعادت تنظر إلي ، وبدأت دموعها تنهمر من عينيها وقالت: -
في ذلك اليوم كانت الحرب مشتعلة ، كانت أصوات القنابل وإطلاق النار عالية ومخيفه ، كانت الأجواء مرعبه ، الكل قلق على أبنائه وعلى أهل بلده ووطنه أما أنا كنت جالسه أنا وأولادي نستمع إلى نشرة الأخبار ونرى ماذا يحدث والعيون تدمع من هول ما كانت ترى ، بعد قليل ذهبت كي اصلي صلاة الظهر ، بدأت اصلي وأبكي بكاء الحزن والألم والخشوع لله تعالى وادعوه أن يحمي أبنائنا ووطننا وان ينصره ويبعد ويهلك الأعداء ...
فجأة بدأت الدبابات تقصف قريتنا ، لم استطع أن افعل شيئا كان الصوت عاليا شعرت بالخوف والرعب يجتاح جسدي أصبحت نبضات قلبي سريعة جدا من شدة الخوف , كل ما كان مني أن اركض واصرخ بأعلى صوتي وأنادي أبنائي .... أين انتم ؟... فوجدتهم إمامي والحمد لله اطمئن قلبي , وقد كان عندي 3 أولاد صغار وابن كبير , أولادي الصغار كانوا يبكون من الخوف واحتموا بي , أما ابني قال لي استودعك يا أمي , أمسكت به بقوه وقلت له إلى أين أنت ذاهب هل جننت ألا ترى ماذا يحدث أتريد أن تقتل وتتركني وحيده ؟, فقال لي بصوت عالي يخرج من قلب حزين ومتألم قال لي :- إلى متى يا أمي ؟ هؤلاء أخوتي هذا وطني هذه بلادي هذه ارضي يجب علي أن احميهم يجن أن اذهب وان أكون واقف إلى جانبهم , إلى متى ستتساقط الأرواح وتذهب سدا وغدرا ؟ إلى متى ستسفك الدماء ؟ اتركيني يا أمي أرجوك يجب أن اذهب ... , بدأت ابكي , وقلت له : أنا خائفة يا ابني لا تتركني وحيده أنا بحاجه لك .. ولكنه لم يقل شيئا فقد قبل يدي وجبيني وذهب , خرج من البيت دون أن أودعه دون أن أضمه إلى صدري , فلم أكن ادري إنني لن أراه ثانية لم أكن اعرف ماذا يخفي القدر ...
وضعت يدي على قلبي الذي أخذت نبضاته تزداد شيئا فشيئا خوف على أبنائي وعلى ابني الذي ذهب وتركني وحيده وخائفة , ولا ادري أين هو وماذا حصل له , عدت إلى الصلاة اصلي وابكي وأدعو الله أن يرجعه لي سالما , دعوت كثيرا وبكين كثيرا , بقيت اصلي وابكي وأدعو الله حتى جاءت أللحظه التي لن أنساها ما دمت حيه , فقد سمعت الرجال يهتفون : لا اله إلا الله الشهيد حبيب الله .... ماذا اسمع ؟ ماذا أقول ؟ عمن يتحدثون ؟ خرجت كالمجنونة خائفة ودموعي تسيل على خدي بغزارة , وإذا بهم يحملون ابني على أكتافهم , كانت الدماء تغطي وجهه وجسده , يا الله ماذا فعلوا به ؟ هل هذا هو فعلا ابني ؟ هل أنا احلم ؟ هل يعقل أن يغدر الزمان بي كما غدر بي من قبل عندما قتل واستشهد زوجي ؟ لا يا الله أرجوك , لا اذكر في تلك أللحظه سوى إنني سقطت أرضا من هول ما رأيت فقد أغمي علي ... وعندما استيقظت رأيت الكثير من النساء حولي وجميعهن يبكون فتذكرت ما رأيت , ابني قتل , بدأت اصرخ أين ابني أريد أن أراه .. ابني لم يمت ولكن لم تستجب واحده من هن كلهن أخذن بالبكاء , فجأة جاء بعض الرجال يحملون على أكتافهم التابوت الذي وضع فيه ابني حبيب قلبي , فتحوه إمامي كي أودع ابني الذي قتل دون ذنب , نظرت إليه ولم تصدق عيناي ما رأت , عجز لساني عن التعبير , دموعي سقطت من عيناي
دون إدراك للواقع , ما زلت أقول هل أنا احلم ؟ هل هذا هو ابني الذي قبل يدي وجبيني قبل قليل وخرج ؟ هل هذا هو الذي عاد محملا على الأكتاف والدماء تغطيه , لم استطع أن انبس ببنت شفه , كل ما كان يجول في فكري , هل ابكي دموع الحزن على فقدان وموت ابني وفلذة كبدي وحبيب قلبي ؟ أم ابكي دموع الفرح لان ابني وحبيب عمري شهيد .. فقد نال الشهادة التي طالما تمناها ... ولكن لا أستطيع أن اصدق , نظرت إليه حاولت أن أمد يدي اللتان كانتا ترتجفان كي امسكه وأضمه إلى صدري واقبله , ولكن لم استطع فما كان مني إلا أن اصرخ لماذا يا ابني ؟ لماذا تركتني ؟ فاستجمعت قواي واقتربت منه وضممته إلى صدري وقبلته وأنا ابكي البكاء المرير بكاء الجرح بكاء الغدر ... ولكن اسأل لماذا لا تجيبني يا ولدي ؟ لماذا لا تتحرك ؟ من فعل بك هذا ؟ عندها أدركت الواقع .. عندها عرفت الحقيقة فقد قتل ولدي واستشهد قتل برصاصة جنود الاحتلال ...
فقال لي احد الرجال هذا يكفي يجب علينا دفنه , لقد كان ولدي الشهيد الذي بكت لفراقه الرجال ... بكى لفراق الصغار والكبار ... بكت لفراقه " حيطان ألبلده " فقلت له وبأعلى صوتي هذا ابني ... هذا ابني الشهيد , لقد نلت يا ولدي ما تمنيت ... وها أنا اليوم أراك أمام عيني شهيدا فهل أزفك إلى قبرك يا ولدي ؟ عندها حمدت الله وشكرته على كل حال , وعلت على وجهي وشفتاي ابتسامه صغيره وعيناي تدمع , فانطلقت من فمي زغرودة...
لان ابني شهيد فقبلته من جبينه وودعته ونظرت إليه آخر نظرة , وقد كانت نظرة الوداع وأنا أقول آه ما أصعب هذا الموقف , لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن أقف هنا وفي هذه اللحظة , أن أقف وارى ابني أمامي ولأخر مره أراه والدماء تغطيه , وان أودعه , ما أصعب هذا الموقف يا الله لو كنت اعلم يا بشر ما كان يخفيه القدر لنزعت قلبي جانبا وزرعت قلبا من حجر ,
فاقتربت من ابني وتكلمت في أذنه وقلت له : ها أنا أراك اليوم يا ولي ولآخر مره , لو تعرف يا ولدي كم احبك , وكم سأشتاق لك , وكم سأفتقدك , لن تجف دموعي يا ابني , فأنت لا تعرف ما قدرك عندي , لا ادري إن كنت احلم ولكنني امله من الله عز وجل أن يجمعني بك في ألجنه , اعلم يا ابني إذا العين لم تراك فالقلب لن ينساك , فقبلته لآخر مره ونظرت إليه آخر نظره مودعة إياه , وأنا لا أستطيع تمالك نفسي , واشعر أنني بين الحين والآخر سأنهار , صبرني يا الله , اعني يا الله , فمن يعرف حزن الأم على فقدان ابنها , عندها أخذوه ليدفنوه وأنا صامته وفقط انظر إليهم وهم يحملون ابني على أكتافهم ويزفونه إلى قبره ويهتفون لا اله إلا الله الشهيد حبيب الله , كنت انظر إليهم نظره صامته وتنهدات تثير الأسى والكآبة وناب عن لفظي الدمع , وقد كان الدمع أفصح مترجم عن حزني , نعم كانت آخر نظره كأنها خاتمه صامته تحمل فكرا وإحساسا إنسانيا وروحا بشريه مظلومة تمتلك أشواق حراقة لابنها , وحنينا أبديا له لاعتناقه وللانعتاق من قيود هذا الصمت , وكم هي الدموع التي تجري من أجفاني وكم هي الأنامل ألرقيقه التي تريد أن تطرق باب قلبك يا ولدي لتنبه ذاكرتك صارخة أنا هنا يا ولدي ولن أنساك .... نعم ها أنا الملم جراح الحياة العصيبة عندما قتل واستشهد زوجي وأنا ألان في جرح آخر يا ولدي وهو فقدانك .... ما لي أن أقول إلا كلمه واحده ... وداعا ........ وداعا يا ولدي ......
أما إنا عجز لساني عن التعبير يا لها من ذكرى مؤلمه ومؤثره ...
ها أنا اختم هذا الحوار بقولي لكي يا جدتي أيتها الم الصامدة والصابرة ابنك الشهيد يرسل لك هذه الرسالة فاسمعيها كي ترتاحي :-
أماه لا تبك فانا شهيد
وقسم بالثرى الطهور يا أمي
إني في السماء مكرم وسعيد
تمنين لو أن لي ألف روح
واقتل ألف مره وألف شهيد
ودعي نعشي يا أمي بالزغاريد
إني إلى ربي صاعد اشق السماء
بأجنحة مخصبه بالدماء
ونعشي معطر الشذى
أماه لا تبك فانا شهيد
وبروحي سأزورك كل عيد
كفى يا أمي دموعا وبكاء
الم نتعانق يا أمي قبيل الفراق
لم أهجرك يا أمي
فهجرك مر المذاق
أنا يا أمي أحب وطني
وشعبي شعب الآباء " فلسطين "
وروحي معك ومع وطني في كل مكان
واعدك يا أمي أن دمي لن يذهب هدرا أو هباء
سيعيد للسلام دربا
لينتهي زمن الحروب
ولينتهي سفك الدماء
يا أمي لا تبك فانا شهيد
ودعي نعشي بالأهازيج والزغاريد
فزغردي يا أم الشهيد
ألفاتحه .............
رحمه الله ورحم جميع المسلمين